تعاطف شعبي
: دوامة العنف وغياب الأمن دفعا عقيل إلى اصطحاب أطفاله إلى المدرسة
في ليلة الهجوم وبعد أن أُذيع نبأ الاعتداءات، دخل العراق حالة من الطوارئ والتأهب العسكري، إذ انتشرت قوات الأمن وأعضاء حزب البعث الحاكم آنذاك في كل شوارع المدن، وكأن البلاد مهددة بمثل هذه الهجمات، يتذكر لازم تلك الليلة। وفي ليلة الحنة "كان الضيوف لا يتحدثون عن شيء سوى عن تلك الهجمات وما خلفته من ضحايا"। ويضيف الطبيب الذي يعمل اليوم أيضاً مدرساً في كلية طب الأسنان بجامعة البصرة: "حتى في حفل زفافي أصبح هذا الحدث مدار حديث المدعوين لدرجة أنني سمعت أنباء الهجمات من المدعوين أكثر من كلمات التهاني بزواجي".
الكل كان مشغولا بتلك الهجمات من أعلى مسؤول في الدولة حتى سائق سيارة الأجرة، لكن من زاويتين مختلفتين، فمن الناحية الشعبية كان هناك تعاطف كبير مع الولايات المتحدة، عدوة صدام اللدود آنذاك، ورسمياً كان المسؤولون يشيدون بقوة نظام صدام حسين، حتى أنه تم إجبار الكثيرين على التظاهر للإشادة بقوة النظام. ودولياً كانت الهجمات نقطة تحول في السياسة الدولية وبداية الحرب على الإرهاب.
نقطة تحول
وساد قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 توتر نفسي كبير لدى الشعب العراقي بصورة عامة। "كان هناك تناقض وتباين في المواقف والآراء بين العراقيين، حيث أن المواطن العراقي حاله حال أي إنسان يرفض تدخل أي دولة في شؤون بلاده الداخلية أو اجتياحه، لكنه بات في الوقت نفسه يتطلع بلهفة إلى إسقاط نظام صدام حسين"، يقول لازم. ويضيف " كانت القوة العسكرية السبيل الوحيد للتخلص من هذا النظام القمعي البوليسي الذي ارتكب عدة مجازر بحق الشعب".
دوامة العنف
بعد كارثة 11سبتمبر تحولت بلاد عقيل إلى مسرح للارهاب الذي دفع إلى تكثيف الاجراءات الأمنية حتى أمام المدارس لحماية التلاميذ
"رائحة الموت تعمّ المكان"
عقيل يمارس مهنتة كطبيب اسنان في مدينة البصرة
واستمرت الفوضى شبحاً يجثم على السنوات التي تلت الحرب، فقد كان ثمن إسقاط النظام باهظاً على الشعب العراقي. ويقول طبيب الأسنان "أخذت مني الحرب والسنوات التي تلتها بعض أصدقائي وأقاربي. ففي عام 2006 فُقد ابن خالي محمد في موجة العنف الطائفي التي اجتاحت العراق. كنت حينها أعد رسالة الماجستير في جامعة بغداد، وأتذكر جيداً كيف توجهنا للبحث عنه في مراكز الشرطة والجيش والمستشفيات على أمل أن نجده".
ويضيف بالقول "عند دخولي إلى مستشفى الطب العدلي شاهدت الكثير لمعاينة الجثث، التي اكتظت بها القاعة. توقفت أمامها متسائلاً، ما ذنب أصحابها. كانت المستشفيات مكتظة بالجثث التي تفسخت أعضاؤها وكانت رائحة الموت تعمّ المكان. لم تكن الدولة العراقية في وضع يسمح بشراء ثلاجات كافية لعدد القتلى. مئات الجثث تفسخت بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حتى بات من الصعب التعرف على ملامحها".
وفي أوج سنوات العنف الطائفي كانت شوارع بغداد شبه خالية، ولا يقطع سكونها سوى بعض السيارات القليلة التي تمر بأقصى سرعتها. وهُجرت بغداد من أهلها ومن بقي لم يكن يخرج إلى الشارع المحاذي لبيته خوفاً من الخطف من قبل الميليشيات المسلحة من الطرفين في ذلك الوقت، "بحثنا في كل مكان من مناطق بغداد، لا يمكن أن أنسى هذا إطلاقاً".
فاتورة الدم العراقي وعسكرة المجتمع
تواجد أمني مكثف في كل الأماكن
وبعد أن دفع العراقيون "فاتورة التغيير من دمائهم"، يرى طبيب الأسنان أن مواطنيه أصبحوا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها بدأت عملا لم تنجزه حتى النهاية। "كنا ننظر إلى الولايات المتحدة على أنها القوة العظمى القادرة على فعل كل شي، وكنا نأمل أن تكون مساعدة الجانب الامريكي للعراق أكبر في ضمان الأمن وفتح آفاق التعاون العلمي الذي يحتاجه في الوقت الحاضر".
وفي ظل الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون في العراق "خسر الشعب العراقي أكثر مما كسب ولم يحصل على ما كان يتطلع إليه في مرحلة ما بعد صدام"। ويضيف لازم "كما أن المجتمع العراقي أصبح بسبب الحروب التي توالت عليه يتجه مجدداً نحو العسكرة والعنف بدلاً من البناء والتطور وهذا ما لا يبشر بخير".
وعن تأثير ذلك على عائلته بشكل مباشر يقول طبيب الأسنان: "لدي ثلاثة أطفال ولدوا في أجواء الحرب وحالهم كبقية اطفال العراق يشاهدون مظاهر العسكرة التي عمت البلد وسمعوا وشاهدوا الانفجارات التي استهدفت المدنيين، اصبح في داخل كل طفل عراقي هاجس رعب يسمى القتل الخطف الانفجارات وهذا واضح على وجوههم"
مناف الساعدي – البصرة
مراجعة: أحمد حسو