Wednesday, August 10, 2011

"رأيت انهيار الحضارة أمام عيني"

"في ذلك اليوم كنت مشغولا بوضع اللمسات الأخيرة على زفافي قبل أن أعرف بخبر تلك الاعتداءات". هكذا بدأ طبيب الأسنان عقيل إبراهيم لازم حديثه مع دويتشه فيله. وأضاف قائلاً: "سبقت الدهشة الحزن والألم لمنظر الضحايا، لهذا المنظر المهول في التلفزيون، كنت أشعر أنني أرى انهيار الحضارة أمام عيني". وطغى على الجالسين أمام الشاشة حزن حقيقي على الضحايا، "الهجوم كان موجهاً ضد المدنيين. وهنا تغيب الأسئلة حول جنسهم ولونهم أو قوميتهم. كان حزنا من نوع آخر، لأن الهجوم نفذه أشخاص يدعون الإسلام".









تعاطف شعبي


دوامة العنف وغياب الأمن دفعا عقيل إلى اصطحاب أطفاله إلى المدرسة


: دوامة العنف وغياب الأمن دفعا عقيل إلى اصطحاب أطفاله إلى المدرسة


في ليلة الهجوم وبعد أن أُذيع نبأ الاعتداءات، دخل العراق حالة من الطوارئ والتأهب العسكري، إذ انتشرت قوات الأمن وأعضاء حزب البعث الحاكم آنذاك في كل شوارع المدن، وكأن البلاد مهددة بمثل هذه الهجمات، يتذكر لازم تلك الليلة। وفي ليلة الحنة "كان الضيوف لا يتحدثون عن شيء سوى عن تلك الهجمات وما خلفته من ضحايا"। ويضيف الطبيب الذي يعمل اليوم أيضاً مدرساً في كلية طب الأسنان بجامعة البصرة: "حتى في حفل زفافي أصبح هذا الحدث مدار حديث المدعوين لدرجة أنني سمعت أنباء الهجمات من المدعوين أكثر من كلمات التهاني بزواجي".


الكل كان مشغولا بتلك الهجمات من أعلى مسؤول في الدولة حتى سائق سيارة الأجرة، لكن من زاويتين مختلفتين، فمن الناحية الشعبية كان هناك تعاطف كبير مع الولايات المتحدة، عدوة صدام اللدود آنذاك، ورسمياً كان المسؤولون يشيدون بقوة نظام صدام حسين، حتى أنه تم إجبار الكثيرين على التظاهر للإشادة بقوة النظام. ودولياً كانت الهجمات نقطة تحول في السياسة الدولية وبداية الحرب على الإرهاب.


نقطة تحول


بعد سنتين أصبح بلد طبيب الأسنان نفسه مسرحاً لعدد أكبر من الضحايا، وبات منظرهم جزءاً من حياته اليومية. إذ كانت تلك الهجمات بداية لحرب طويلة شكلت نقطة تحول في السياسة الدولية، وغيرت مصير الشعب العراقي على وجه الخصوص. "في ذلك الوقت خاطب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن دول العالم بالقول إما أن تكونوا معي أو ضدي، والعراق كان في ذلك الوقت في حالة عداء شديد مع الولايات المتحدة، فقد كان قد خاض حرباً ضدها عام 1991 بعد احتلاله الكويت"، كما يقول لازم.


وساد قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 توتر نفسي كبير لدى الشعب العراقي بصورة عامة। "كان هناك تناقض وتباين في المواقف والآراء بين العراقيين، حيث أن المواطن العراقي حاله حال أي إنسان يرفض تدخل أي دولة في شؤون بلاده الداخلية أو اجتياحه، لكنه بات في الوقت نفسه يتطلع بلهفة إلى إسقاط نظام صدام حسين"، يقول لازم. ويضيف " كانت القوة العسكرية السبيل الوحيد للتخلص من هذا النظام القمعي البوليسي الذي ارتكب عدة مجازر بحق الشعب".


دوامة العنف



بعد كارثة 11سبتمبر تحولت بلاد عقيل إلى مسرح للارهاب الذي دفع إلى تكثيف الاجراءات الأمنية حتى أمام المدارس لحماية التلاميذ

بعد كارثة 11سبتمبر تحولت بلاد عقيل إلى مسرح للارهاب الذي دفع إلى تكثيف الاجراءات الأمنية حتى أمام المدارس لحماية التلاميذ

وبدأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة اجتياحها للعراق في 19 آذار/ مارس عام 2003 وأدت إلى سقوط نظام صدام بعد 22 يوماً। "كنا سعداء بسقوط النظام البعثي والتخلص من الديكتاتورية"، يتذكر لازم تلك الأيام، مضيفاً: "لكني في الوقت نفسه كنت أشعر باليأس لمشاهدة دخول قوات التحالف الى العراق، فليس من المعقول أن يفرح المرء لدخول قوات غازية إلى أراضيه، لكن القمع والتهميش اللذين مارسهما صدام قلبا تلك المعايير".

وجاء إسقاط نظام صدام حسين بحرية "لم نكن نعرفها من قبل وهو حرية التعبير عن الرأي، لكن هذه الحرية لم تكن بالمستوى الذي كنا نأمله، إذ لم تكن ضمن حدود القانون"। فخلال عقود حكم البعث في العراق أُعدم الكثير من الشباب لمجرد انتقاد أو الاحتجاج خلسة لسياساته। لكن ما حدث بعد 2003 أظهر أن أمنية العراقيين في أن يصبح بلدهم "يابان أو ألمانيا الشرق الأوسط" ويكون دولة حديثة في كل المجالات، كانت مبكرة.

"فوجئنا بفوضى عارمة؛ وقُسم العراق إلى كانتونات طائفية بين المحافظات لا بل وصل الأمر إلى داخل المدن أو داخل الأزقة. فقد فُتحت الحدود على مصراعيها وأُلغي الجيش بسياسات خاطئة آنذاك، فُتحت المتاحف للصوص لنهب حضارة هذا البلد لابل وصل الأمر إلى انتهاك حرمات النفس، كل هذه الفوضى أنستني الفرحة بإسقاط النظام".

"رائحة الموت تعمّ المكان"



عقيل يمارس مهنته كطبيب أسنان في مدينة البصرة



عقيل يمارس مهنتة كطبيب اسنان في مدينة البصرة



واستمرت الفوضى شبحاً يجثم على السنوات التي تلت الحرب، فقد كان ثمن إسقاط النظام باهظاً على الشعب العراقي. ويقول طبيب الأسنان "أخذت مني الحرب والسنوات التي تلتها بعض أصدقائي وأقاربي. ففي عام 2006 فُقد ابن خالي محمد في موجة العنف الطائفي التي اجتاحت العراق. كنت حينها أعد رسالة الماجستير في جامعة بغداد، وأتذكر جيداً كيف توجهنا للبحث عنه في مراكز الشرطة والجيش والمستشفيات على أمل أن نجده".
ويضيف بالقول "عند دخولي إلى مستشفى الطب العدلي شاهدت الكثير لمعاينة الجثث، التي اكتظت بها القاعة. توقفت أمامها متسائلاً، ما ذنب أصحابها. كانت المستشفيات مكتظة بالجثث التي تفسخت أعضاؤها وكانت رائحة الموت تعمّ المكان. لم تكن الدولة العراقية في وضع يسمح بشراء ثلاجات كافية لعدد القتلى. مئات الجثث تفسخت بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حتى بات من الصعب التعرف على ملامحها".


وفي أوج سنوات العنف الطائفي كانت شوارع بغداد شبه خالية، ولا يقطع سكونها سوى بعض السيارات القليلة التي تمر بأقصى سرعتها. وهُجرت بغداد من أهلها ومن بقي لم يكن يخرج إلى الشارع المحاذي لبيته خوفاً من الخطف من قبل الميليشيات المسلحة من الطرفين في ذلك الوقت، "بحثنا في كل مكان من مناطق بغداد، لا يمكن أن أنسى هذا إطلاقاً".


فاتورة الدم العراقي وعسكرة المجتمع


تواجد أمني مكثف في كل الأماكن

تواجد أمني مكثف في كل الأماكن


وبعد أن دفع العراقيون "فاتورة التغيير من دمائهم"، يرى طبيب الأسنان أن مواطنيه أصبحوا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها بدأت عملا لم تنجزه حتى النهاية। "كنا ننظر إلى الولايات المتحدة على أنها القوة العظمى القادرة على فعل كل شي، وكنا نأمل أن تكون مساعدة الجانب الامريكي للعراق أكبر في ضمان الأمن وفتح آفاق التعاون العلمي الذي يحتاجه في الوقت الحاضر".

وفي ظل الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون في العراق "خسر الشعب العراقي أكثر مما كسب ولم يحصل على ما كان يتطلع إليه في مرحلة ما بعد صدام"। ويضيف لازم "كما أن المجتمع العراقي أصبح بسبب الحروب التي توالت عليه يتجه مجدداً نحو العسكرة والعنف بدلاً من البناء والتطور وهذا ما لا يبشر بخير".


وعن تأثير ذلك على عائلته بشكل مباشر يقول طبيب الأسنان: "لدي ثلاثة أطفال ولدوا في أجواء الحرب وحالهم كبقية اطفال العراق يشاهدون مظاهر العسكرة التي عمت البلد وسمعوا وشاهدوا الانفجارات التي استهدفت المدنيين، اصبح في داخل كل طفل عراقي هاجس رعب يسمى القتل الخطف الانفجارات وهذا واضح على وجوههم"


مناف الساعدي – البصرة


مراجعة: أحمد حسو


http://www.dw-world.de/dw/article/9799/0,,15144302,00.html

Sunday, August 7, 2011

العراقيات: أنوثة من دمع وشموع




الأنوثة في مجتمع العراق الذي صار محافظا تفتقر إلى تعريف، فهي أحيانا الرقة، وفي وصف آخر هي قواعد للسلوك تضع حدودا للمرأة، وفي موقع آخر تكون الأنوثة بذلا وعطاء دون مقابل. وسط كل هذا تخاف المرأة أن تكشف عن أنوثتها.





عند الحديث عن المرأة يجب أن لا ننسى أنها في الغالب الأم، وهي التي تصنع هذا المجتمع، وهي مصنع الحياة، والأهم أنها الأنثى.

ربما يعترض البعض على تسمية المرأة بالأنثى لأن في هذا إلغاء لصفتها الإنسانية، لكن الإنسانة الأنثى هي المرأة. والأنثى ككيان صارت مهددة في خصوصيتها، لذا فإن السؤال الملح هو: أين تقف الأنثى في مجتمع عراق اليوم؟

هذا المجتمع خلقت فيه سنوات الحكم الشمولي الدموي وإيديولوجيا الحزب الواحد فراغا سياسيا ملأته إيديولوجيا أحزاب الإسلام السياسي، التي تضع المرأة في مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الجنس الآخر، وبالتالي تطفو تساؤلات حول تعامل المجتمع مع مفهوم الأنثى، وتحديد وظيفتها باعتبارها أداة لإمتاع الرجل وخدمته، أو صانعة أطفال له حصرا- حيث يعرّفها البعض بأنها مجرد إناء، وهي تحتاج دائما إلى دليل يثبت أنها الجنس الآخر الذي يشاطرنا الحياة، والخوف يدفعها غالبا إلى رفض وصفها كأنثى - وهذا شائع في أوروبا، و المجتمع مقابل كل هذا يرفض أن يعترف بوجود الأنثى خارج خيمة الرجل.

نساء يروين قصة الأنثى

الأنوثة خجل أم إقصاء
الكاتبة والإعلامية اعتقال الطائي عرّفت الأنثى باعتبارها مزيجا من الرقة والحياء والجمال معتبرة الأنوثة قبل كل شيء سلوكا، مشيرة إلى "أن مناقشة الأنثى على الهاتف موضوع صعب لأنه يحتاج أن تنظر المحاورة في عين محدثها الرجل أثناء الحديث وهذا ما لا يتحقق في حوارنا الإذاعي عبر الهاتف" .

الإعلامية العراقية المعروفة اعتقال الطائي اعتبرت أن السلوك هو الذي يحدد الأنثى، وفي العالم العربي هناك نموذج أشاعته أجهزة الإعلام يتحدد بمقاسات الصدر والخصر مثلا يتم قياس مستوى الأنوثة بموجبه.

وشاعت خلال القرن العشرين مسابقات ملكات الجمال، حيث تتهادى الفتيات بملابس السباحة التي تكشف أكثر مما تخفي أمام أعين الحكام والجمهور لتحرز إحدى المتسابقات لقب ملكة جمال العالم- سيدة الحسان، وقد يعتبر البعض النماذج المستعرضة في هذه المسابقة رموزا للأنوثة تسعى أغلب نساء العالم للاقتداء بها.

اعتقال الطائي اعترضت على هذا الاستنتاج مشيرة إلى أن مسابقات الجمال الراهنة تجري اختبارات للذكاء والقدرة على الحوار ومستوى الثقافة للمشاركات، نتائج هذا الاختبار تضاف إلى نتائج مقاسات الجمال الأخرى لتحديد الفائزة.

من ناحية أخرى رأت اعتقال أن الشائع في مقاييس الجنس هو أن الرجل يكون قوي المظهر ويوصف بالفحولة في هذا الاتجاه، لكني- والكلام للطائي- "طالما بحثت طيلة حياتي عن رجل يكون داخله قويا وليس مهما كيف يبدو مظهره"

والأنوثة والفحولة تخلق مع الإنسان بالولادة، والأنثى إذا وصفت بالقوة فهي إنما تدافع عن نفسها بالتظاهر بالقوة ولبس لبوسها.


"الزنبق يستبدل جلده"

الشاعرة ريم قيس كبة شاركت في الحوار مشيرة إلى أن "العراق تعرض على مدى عقود إلى كوارث كبرى مسّت نسيجه الاجتماعي، وفي زمن الكوارث يقع الضرر الأكبر على الحلقات الأضعف في المجتمع، والمرأة هي غالبا الحلقة الأضعف في العراق لذا فإنه منذ عشرات السنين تظلم المرأة " ولكن الشاعرة عادت لتستدرك بالقول "إن المرأة العراقية وبسبب إدمانها الكوارث والهزات تحولت بمرور الزمن إلى الحلقة الأقوى إن صح التعبير".
ريم قيس كبة لم تخف أنها شخصيا قد تحدثت عن هموم الأنثى في أزمنة كانت أجواء الحروب فيها هي السائدة مقتطعة من قصيدة لها القول:
"الزنبق يستبدل اللون الأبيض بالكاكي
إذ تنشب عاصفة الصحراء،
ويمر حصار،
الزنبق يستبدل جلدته
ويصبح صبّار"


فالأنثى عند ريم لا تغيّب مطلقا لأنها الجزء الأكثر فاعلية في المجتمع، وإذا كانت المرأة تخجل من كونها أنثى فعلى المراقب أن لا ينسى أن الكوارث التي مر ويمر بها العراق لابد أن تخلف عقدا وندوبا عند النساء والرجال على حد سواء. و المجتمع العراقي منذ تسعينات القرن الماضي شهد انقلابات كبرى غيّرت كل تكوينه وشكله، وهذا بالتأكيد ألقى بظلاله الداكنة على المرأة، ولكن هذا كله لا يلغي الإحساس بالذكورة والأنوثة ولا العلاقة المتبادلة بينهما".

المستمعة د. ملاك شاركت في الحوار من بغداد عبر الهاتف وأعلنت أنها تفتخر بكونها أنثى وتفتخر بجسدها وتفتخر بروحها كأنثى، لكن ثقافة بعض الرجال تصور المرأة على أنها كائن ضعيف يحتاج إلى حماية وقيادة وتوجيه، وحقيقة الأمر أن كل امرأة على وجه الأرض تملك أنوثة، وهذه الأنوثة هي التي تظهر فحولة الرجل، فوجود الأنثى يعني وجود الذكر والعكس صحيح، وبالتالي فإن وجود الجنسين متلازم ومرتبط بطرفي المعادلة.

ملهم الملائكة

مراجعة: عارف جابو


ختان الإناث في كردستان العراق- رعب يلاحق الفتيات





يعتبر ختان الإناث غريبا على العراق، لكن معظم الفتيات في كردستان العراق يتعرضن لتلك العملية التي تترك لديهن آثارا لا تمحى। الناشطات في مجال حقوق النساء يناشدن الجهات الرسمية بالتدخل للقضاء على هذه الظاهرة.






لم تكن نرمين حمه نافع تعرف بأن أحد أيام ربيع عام 2004 سيكون مختلفاً عن باقي أيام حياتها. نرمين فتاة في ربيعها الـ 17، تسكن في قرية أحمد كلوان التابعة لقضاء بنجوين بمحافظة السليمانية، تعاني مرارة الألم منذ سبعة أعوام. فبعد صمت طويل اعتلت صدرها الحسرة والخجل الذي بات واضحاً على ملامح وجهها من الحديث عن ذلك اليوم الذي فقدت فيه جزءاً من أنوثتها


في بادئ الأمر رفضت نرمين الحديث مع دويتشه فيله عن تلك اللحظة التي وصفتها بـ"المشؤومة"، لكنها وبعد لحظات من الصمت قررت الحديث بقولها: "بينما كنت غارقة في النوم أخذت خالتي تهمس في أذني لكي أستيقظ وأذهب معها إلى السوق لشراء بعض الأشياء للمنزل. وفوجئت حينها بأن الوقت مازال مبكراً، وبعد لحظات خرجت مع خالتي وأمي". ولكن سرعان ما سلكت نرمين ومن معها أحد الطرق التي تؤدي إلى الجهة الأخرى بعيداً عن سوق القرية.

تفاصيل ذلك اليوم ما زالت حاضرة أمام الشابة الكردية، التي تضيف قائلة: "دخلت خالتي ووالدتي إلى بيت جارتنا العجوز فاطمة وكنت أنتظر في فناء المنزل الخارجي خروجهن، وكان بقربي العديد من الفتيات الصغيرات وهن يلهين بما لديهن من دمى وألعاب وكأنه يوم العيد।بدا المشهد غريباً نوعاً ما على نرمين التي لم تكن تتجاوز العاشرة من عمرها آنذاك.

لحظات لا تنسى وآثار لا تمحى

وبعد لحظات جاءت والدتها مع خالتها لاصطحابها إلى داخل المنزل، وفي غرفة شبه معتمة أخذت الخاتنة العجوز بإبعاد ساقيها وقطع جزءاً من عضوها التناسلي بشفرة حلاقة مستعملة حتى شعرت "بحرقة شديدة" وبعد ذلك غسلت الخاتنة مكان الجرح بالماء الدافئ والملح ووضعت الرماد لإيقاف نزيف الدم. وتتذكر نرمين كيف أن والدتها أخذت بتقبيلها حينها فرحاً، "ونثر الحلوى فوق رأسي ووضع بعض النقود في يدي، كما همست في أذني أنها سعيدة بأني أصبحت امرأة طاهرة من اليوم".


ذلك اليوم لم يترك آثارا نفسية فقط على نرمين بل وآثارا جسدية، إذ تعاني من ألم شديد ومتكرر مع كل دورة شهرية، كما تعاني من التهابات مزمنة تستدعي تلقيها العلاج في إحدى مستشفيات محافظة السليمانية. وتطالب الشابة السلطات بالتدخل بشكل جاد وفعال "من أجل القضاء على هذا التقليد، الذي ينتشر في مدن وقرى كردستان ولا يمت إلى الإسلام بصلة"، على حد تعبيرها.

ومن سخرية القدر أن يختار كثيرون الربيع، فصل الحياة والنماء، لإجراء عمليات ختان الفتيات. وتتركز معظم حالات الختان في مناطق بشدر وبيتوين ورانيه بمحافظة السليمانية وهي مناطق حدودية تتحكم فيها نظم عشائرية تقليدية، كما تقول منسقة مشاريع منظمة وادي الألمانية سعاد عبد الرحمن شريف.

وتؤكد منسقة المنظمة الناشطة في مجال حقوق الإنسان والأسرة على ضرورة اضطلاع الجهات الرسمية للقضاء على هذه الظاهرة عبر سن القوانين التي تجرم القائمين عليها، لافتة أيضاً إلى "ضرورة التوعية التي يجب أن تتولاها منظمات المجتمع المدني واتحاد علماء المسلمين لتوضيح أن الشريعة الإسلامية تحرم ختان الإناث"

وتشير الناشطة الكردية في حوار مع دويتشه فيله إلى أن المنظمة أجرت العام الماضي مسحاً ميدانياً في مدن إقليم كردستان وقراه للوقوف على حجم هذه الظاهرة। وأظهر الاستطلاع الذي أجري في أكثر من 700 قرية وناحية أن نحو72.2 بالمائة من النساء في إقليم كردستان تعرضن للختان وأن أغلب الفتيات اللواتي أجريت لهن عملية ختان تتراوح أعمارهن بين 4 و9 سنوات. وتعد منطقة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية أسوأ المناطق من حيث نسبة الفتيات اللاتي يتعرضن للختان.

محرمات وعوائق


وأوضحت شريف أن فريق العمل واجه الكثير من الصعوبات لإنجاز هذا البحث على خلفية امتناع الأهالي عن التحدث بهذا الخصوص أو عدم موافقتهم على إخضاع بناتهم للفحص على أيدي الطبيبات اللاتي يعملن لصالح المنظمة। وتقول شريف إن المنظمة استغرقت وقتاً طويلاً من أجل بناء جسور من الثقة المتبادلة بينها وبين ساكني تلك القرى، وذلك من خلال عملها المتواصل طيلة السنوات الثماني الماضية في هذه القرى।


وتكشف الناشطة الحقوقية عن وجود بعض الانتقادات التي وجهت إلى منظمة من قبل عامة الناس ورجال الدين وحتى المنظمات الإنسانية الأخرى وبعض المؤسسات الحكومية، التي اعتبرت عمل المنظمة منافي لعادات الشعب الكردي। وزادت حدة هذه الاتهامات بعد أن أنتجت المنظمة فيلم "قبضة من الرماد"، الذي يتناول طيفاً من المواضيع الحساسة، ويسلط الضوء بشكل خاص على ظاهرة ختان النساء في مدن إقليم كردستان وقراه، حتى "وصل الأمر إلى محاولة حكومة الإقليم قطع أي دعم لإقامة مشاريعنا"، على حد قول شريف.



ويبدو أن إصرار المنظمة الألمانية على العمل في هذا المجال، دفع الجهات المسؤولة في الإقليم إلى القيام بمبادرة لكسر الصمت على ظاهرة ختان الإناث، فقد أعلنت وزارة الصحة في حكومة الإقليم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن نيتها عقد مؤتمر للبحث في سبل إنهاء ظاهرة ختان الإناث ورفع مطالبات للجنة العليا للإفتاء في الإقليم بإصدار فتاوى للحد من هذه الظاهرة، وإن كان هذا المؤتمر لم ير النور.



ماذا يقول القانون؟


من جانبه، يقول المحامي والناشط الحقوقي في منظمة السلام الإنسانية في بغداد حيدر خماس الربيعي إن "ظاهرة ختان الإناث تزداد في منطقة إقليم كردستان العراق، لكنها نادرة الحدوث في وسط العراق وجنوبه، باعتبار أن التقليد المتعارف عليه يجعل مثل هذا الفعل غير مرغوب فيه". ويضيف الربيعي في حوار مع دويتشه فيله قائلاً "إن نظرة المشرع العراقي جاءت متطابقة مع تقاليد المجتمع وإن كان قد أشار إليها بصورة ضمنية، حيث جرم هذا الفعل عن طريق نص المادة (412)، من قانون العقوبات العراقي (111) لسنة 1969".

وتنص هذه المادة على أن: "من اعتدى على آخر بالجرح أو الضرب أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو ارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون يسبب عاهة مستديمة، يعاقب بسجن لمدة لا تزيد عن 15سنة، وتتوفر العاهة المستديمة إذا نتج عن الفعل قطع أو انفصال عضو من أعضاء الجسم أو بتر جزءاً منه". وبحسب الربيعي فإن "في حكم المادة المذكورة سلفاً تدخل ضمنها عملية ختان الإناث، حيث أن هذه العملية تؤدي إلى بتر جزءاً من الجسم ومن هنا نجد المشرع قد وفر الرادع لهذه الظاهرة والعقوبة التي تتضمنها بمن يقوم بهذا الفعل". لكنه ينوه في الوقت ذاته إلى أن هذه "الظاهرة وإن كانت من الأعراف الشائعة في مدن كردستان، إلا أن القانون جرم هذا الفعل وكما هو معروف أن القانون هو أقوى من الأعراف من حيث الإلزام".


مناف الساعدي/ بغداد- سليمانية


مراجعة: سمر كرم